يوسف همّ بالفساد
إن يوسف ـ عليه السلام ـ هم بالمرأة وهمت به حسبما جاء فى القرآن. وأنه لم يهم بها ولم تهم به حسبما جاء فى التوراة. وما جاء فى التوراة هو المناسب لأحوال الأنبياء.
الرد على الشبهة:
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ( يوسف:24
الآيات تؤكد ان سيدنا يوسف لم يهم بها فعند قراءة الآية تقرأ (و لقد همت به) ثم تقف ثم تكمل (و هم بها لولا ان رأى برهان ربه) و معنى قوله تعالى (و هم بها لولا ان رأى برهان ربه) هو انه لولا انه رأى برهان ربه لكان هم بها ف(لولا) منعت وقوع الهم منه قال بن كثير: وقيل: { وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } أي: فلم يهم بها.
و قال الطبرى : وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ الخبر عن يوسف ، فقيل:"وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه" . كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها ، وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها ، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها ، كما قيل
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا )، [النساء: 83].
و يجوز تأخير لولا عن الفعل فتفيد انتفاؤه كما جاء فى قوله تعالى
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً) الفرقان77
و يدل على عدم وقوع الهم منه قوله تعالى : (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ) و هذا بعد ان قالت هيت لك و قوله تعالى عن ما قالته امرأة العزيز (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ)
قال الرازى:والقول الثاني : أن يوسف عليه السلام كان بريئاً عن العمل الباطل ، والهم المحرم ، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين ، وبه نقول وعنه نذب .واعلم أن الدلائل الدالة على وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام كثيرة .
فالاعراض عن الذنب لا يستلزم حدوث هبة به فقد يكون من شدة الايمان ان الرجل لا يقع منه هم بالذنب اساسا و هذه درجة عالية من الايمان يوافق منصب النبوة الشريف.
و هناك رأى آخر انظر إلى قوله: (وراودته) وإلى قوله (معاذ الله) تجد أنها لما راودته (همت به )فيكون الهم منها بمعنى طلب فعل الفاحشة. وتجد أنها لما (همت به) صار منه هم بها. يفسره قوله (معاذ الله) كما فسر همها (وراودته) فيكون همه بها ؛ دفعاً لها وامتناعاً عنها.
قال الطبرى:فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف ، وهمَّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه ، لولا أنّ يوسف رأى برهان ربه ، وكفَّه ذلك عما همّ به من أذاها = لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها . قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله
كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) قالوا: فالسوء هُو ما كان همَّ به من أذاها ، وهو غير"الفحشاء".
و انا ارجع القول الأول و الثانى أما الثالث فهو انه خاطرته نفسه و لكن لم ينفذ و هو ما جاء فى تفسير الطبرى ومعنى"الهم بالشيء" ، في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعتِه ، ما لم يُواقِع
و بن كثير:وقال بعضهم: المراد بهمه بها هَمّ خَطَرات حديث النفس. حكاه البغوي عن بعض أهل التحقيق، ثم أورد البغوي هاهنا حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن همام، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: إذا هَمّ عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها، وإن هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإنما تركها من جَرّائي، فإن عملها فاكتبوها بمثلها" .وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وله ألفاظ كثيرة،
وقيل: تمناها زوجة.و هذا ما جاء فى بن كثير ايضا.
و لكن ما جاء من انه عليه السلام و العياذ بالله قد اتخذ منها موضع الختانان و لكن انصرف عنها بعد ذلك فهذا افتراء عليه عليه السلام و العياذ بالله و اقوال شاذة يرد عليها السياق القرآنى بقوله تعالى مبلغا عن رد فعل سيدنا يوسف (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يوسف:23, و هذا بعد ان قالت هيت لك و قوله تعالى عن ما قالته امرأة العزيز (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) فهذا القول الشاذ يتنافى مع مقام النبوة انظر لقول سيدنا يوسف: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ( يوسف:33
و قد شهد له من كان حاضرا انه برىء و علم ذلك العزيز لما حضر
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) يوسف28, و شهادة امرأة العزيز له: ( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ( يوسف:32
قال الرازى فى ذلك: والقول الثاني : أن يوسف عليه السلام كان بريئاً عن العمل الباطل ، والهم المحرم ، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين ، وبه نقول وعنه نذب .
واعلم أن الدلائل الدالة على وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام كثيرة ، ولقد استقصيناها في سورة البقرة في قصة آدم عليه السلام فلا نعيدها إلا أنا نزيد ههنا وجوهاً :
فالحجة الأولى : أن الزنا من منكرات الكبائر والخيانة في معرض الأمانة أيضاً من منكرات الذنوب ، وأيضاً مقابلة الإحسان العظيم بالإساءة الموجبة للفضيحة التامة والعار الشديد أيضاً من منكرات الذنوب ، وأيضاً الصبي إذا تربى في حجر إنسان وبقي مكفي المؤنة مصون العرض من أول صباه إلى زمان شبابه وكما قوته فإقدام هذا الصبي على إيصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم المعظم من منكرات الأعمال .
إذا ثبت هذا فنقول : إن هذه المعصية التي نسبوها إلى يوسف عليه السلام كانت موصوفة بجميع هذه الجهات الأربع ومثل هذه المعصية لو نسبت إلى أفسق خلق الله تعالى وأبعدهم عن كل خير لاستنكف منه ، فكيف يجوز إسنادها إلى الرسول عليه الصلاة والسلاما المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة . ثم إنه تعالى قال في غير هذه الواقعة : { كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء } [ يوسف : 24 ] وذلك يدل على أن ماهية السوء والفحشاء مصروفة عنه ، ولا شك أن المعصية التي نسبوها إليه أعظم أنواع وأفحش أقسام الفحشاء فكيف يليق برب العالمين أن يشهد في عين هذه الواقعة بكونه بريئاً من السوء مع أنه كان قد أتى بأعظم أنواع السوء والفحشاء . وأيضاً فالآية تدل على قولنا من وجه آخر ، وذلك لأنا نقول هب أن هذه الآية لا تدل على نفي هذه المعصية عنه ، إلا أنه لا شك أنها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ ، فلا يليق بحكمة الله تعالى أن يحكى عن إنسان إقدامه على معصية عظيمة ثم إنه يمدحه ويثني عليه بأعظم الدمائح والأثنية عقيب أن حكى عنه ذلك الذنب العظيم ، فإن مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب وأفحش الأعمال ثم إنه يذكره بالمدح العظيم والثناء البالغ عقيبه ، فإن ذلك يستنكر جداً فكذا ههنا والله أعلم . الثالث : أن الأنبياء عليهم السلام متى صدرت منهم زلة ، أو هفوة استعظموا ذلك وأتبعوها بإظهار الندامة والتوبة والتواضع ، ولو كان يوسف عليه السلام أقدم ههنا على هذه الكبيرة المنكرة لكان من المحال أن لا يتبعها بالتوبة والاستغفار ولو أتى بالتوبة لحكى الله تعالى عنه إتيانه بها كما في سائر المواضع وحيث لم يوجد شيء من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب ولا معصية . الرابع : أن كل من كان له تعلق بتلك الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليه السلام من المعصية .
واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة يوسف عليه السلام ، وتلك المرأة وزوجها ، والنسوة والشهود ورب العالمين شهد ببراءته عن الذنب ، وإبليس أقر ببراءته أيضاً عن المعصية ، وإذا كان الأمر كذلك ، فحينئذ لم يبق للمسلم توقف في هذا الباب . أما بيان أن يوسف عليه السلام ادعى البراءة عن الذنب فهو قوله عليه السلام : { هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى } [ يوسف : 26 ] وقوله عليه السلام : { رَبّ السجن أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ } [ يوسف : 33 ] وأما بيان أن المرأة اعترفت بذلك فلأنها قالت للنسوة : { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم } [ يوسف : 32 ] وأيضاً قالت : { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ } [ يوسف : 51 ] وأما بيان أن زوج المرأة أقر بذلك ، فهو قوله : { إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا واستغفرى لِذَنبِكِ } [ يوسف : 28 ، 29 ] وأما الشهود فقوله تعالى : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكاذبين } [ يوسف : 26 ] وأما شهادة الله تعالى بذلك فقوله : { كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين } [ يوسف : 24 ] فقد شهد الله تعالى في هذه الآية على طهارته أربع مرات : أولها : قوله : { لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء } واللام للتأكيد والمبالغة .
يوجد فرق بين رجل عرف الله ورجل لم يعرفه. فالعارف بالله لا يقدم على معصية لله ولا يقدم على ضرر للبشر. والذى لا يعرفه لا يستحيى أن يفعل ما يشاء من المعاصى والضرر. وعلى هذا المعنى يوجد فرق بين امرأة العزيز التى تعبد مع قومها غير الله وبين يوسف ـ عليه السلام ـ الذى عرف ربه بواسطة البراهين التى قادته إلى معرفته فى كونه . فامرأة العزيز همت به أن يفعل الفاحشة بها ، وهو قد قال لها: (معاذ الله )وعلّل عدم الفعل بأنه يكون مسيئاً لمن أحسن إليه. وهو سيده. والإساءة إلى المحسن نوع من أنواع الظلم.
ولو فرضنا أن يوسف غير عارف بالله وغير مقر به مثلها ؛ فإننا نفرض أنه لو همت به للفعل بها ؛ لهمَّ بها للفعل بها. ولولا أنه رأى برهان وجود الله فى كونه ، لكان قد فعل بها. إذ هذا شأن الوثنيين. وكهذا البرهان ؛ أريناه براهين فى الآفاق وفى الأنفس (لنصرف عنه السوء والفحشاء ).
ولا يمكن تفسير (برهان ربه ) بعلامة مجىء سيده إلى بيته ؛ لأنه لو ظهرت علامة مجىء سيده ؛ ما استبقا الباب: هى للطلب ، وهو للدفع. فاستباقهما معناه: أنها تغلق الأبواب وتمنع من الإفلات وهو يحاول الدفع ، حتى إنها جذبته من ظهره من ثوبه ، وعندئذ (ألفيا سيدها لدى الباب ) وصرح بأنه غير مذنب ، وشهد شاهد بالقرائن من أهل الشهادة أنه غير مذنب.
على هذا يكون القرآن مقراً ببراءة يوسف ـ عليه السلام ـ ويكون لفظ الهم فى جانبه على سبيل المشاكلة لأنه صرح قبله بقوله (معاذ الله ) .
يقولون لم تهم به؟
نقول لم تقرأوا كتابكم
سفر التكوين 39 عدد 7: وحدث بعد هذه الامور ان امرأة سيده رفعت عينيها الى يوسف وقالت اضطجع معي 8 فأبى وقال لامرأة سيده هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت وكل ما له قد دفعه الى يدي9 ليس هو في هذا البيت اعظم مني.ولم يمسك عني شيئا غيرك لانك امرأته.فكيف اصنع هذا الشر العظيم واخطئ الى الله10 وكان اذ كلّمت يوسف يوما فيوما انه لم يسمع لها ان يضطجع بجانبها ليكون معها